توقيف أستاذ بسبب حديثه عن"جيلZ" يثير الجدل... فهل مازالت حرية التعبير مكفولة داخل المنظومة التعليمية؟

٤ نوفمبر ٢٠٢٥

بقلم: أمين الكردودي

أثار قرار توقيف أستاذ بثانوية أبي بكر الصديق التأهيلية بمدينة تطوان بتاريخ 17 أكتوبر الجاري ردود فعل واسعة في الأوساط التعليمية والحقوقية بعد نشره مقطع فيديو على منصة “تيك توك” تحدث فيه عن تجربته داخل الفصول الدراسية وصعوبات التعامل مع جيل “Z” في إطار رؤية نقدية للواقع التربوي دون أن يتضمن الفيديو أي تحريض على العنف أو مساس بالثوابت الوطنية.

الأستاذ الذي عرف عنه التزامه المهني تناول في حديثه ما يعانيه رجال ونساء التعليم من تحديات يومية أمام التحولات السلوكية والقيمية لدى التلاميذ مبرزاً أن الأساتذة حين طالبوا المسؤولين بوسائل فعالة للحد من العنف المدرسي كانت الإجابة حينها الدعوة إلى اعتماد العقوبات البديلة مثل أعمال البستنة. وأضاف في سياق تساؤله المشروع: “لماذا لا تُطبّق هذه العقوبة نفسها على بعض التلاميذ المتظاهرين؟” في إشارة إلى ما اعتبره غياب توازن في التعاطي مع ممارسات داخل المنظومة التعليمية.

غير أن الأستاذ فوجئ بقرار توقيفه عن العمل في انتظار عرضه على المجلس التأديبي الجهوي وهو ما اعتبره عدد من الفاعلين التربويين قراراً مبالغاً فيه يتعارض مع مبدأ حرية الرأي والتعبير الذي يكفله الدستور المغربي في مادته الخامسة والعشرين والتي تنص على أن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”. ويرى هؤلاء أن ما ورد في المقطع لا يخرج عن إطار التعبير عن رأي مهني نابع من واقع المدرسة المغربية وأن التعامل الإداري معه كان يجب أن يتخذ طابعاً تربوياً قائماً على الحوار لا على العقاب.

في المقابل يعتبر البعض أن التصريحات الصادرة عن موظفي القطاع العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي ينبغي أن تظل منضبطة لواجب التحفظ واحترام مقتضيات المرفق العمومي مؤكدين أن الحرية لا تنفصل عن المسؤولية وأن النقد المهني يجب أن يمارس من داخل القنوات الرسمية للحوار التربوي. غير أن أصواتاً حقوقية وتربوية كثيرة شددت على أن حرية الرأي لا يمكن اختزالها في الصمت أو الخوف من المتابعة وأن المدرسة التي تسعى إلى الإصلاح لا يمكن أن تنجح إلا إذا كانت منفتحة على النقد البنّاء وعلى التجارب الميدانية التي يعيشها المدرسون داخل الأقسام.

ويأتي هذا الجدل في سياق حساس يمر به قطاع التعليم حيث تتصاعد الدعوات إلى تجديد المقاربة التربوية بما يتناسب مع التحولات النفسية والسلوكية التي تميز الجيل الجديد من المتعلمين. فالأستاذ الذي عبّر عن رأيه لم يكن في موقع المعارضة أو التحريض بل كان يناقش واقعاً مهنياً يعيشه يومياً ويقترح بشكل غير مباشر إعادة التفكير في أساليب الانضباط والتربية.

إنّ المدرسة المغربية في حاجة اليوم إلى بيئة تتيح للأساتذة والفاعلين التربويين التعبير بحرية ومسؤولية عن آرائهم وتجاربهم باعتبارهم شركاء في بناء المنظومة لا مجرد منفذين لتعليمات إدارية. فحرية التعبير داخل الإطار المهني لا يجب أن تُعامل كجريمة بل كقيمة مضافة تسهم في تطوير الممارسة التربوية وتحسين علاقة الثقة بين الأستاذ والإدارة والمجتمع.

وفي دولة الحق والقانون التي يرعاها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتي تؤكد خطبه السامية دائماً على صون كرامة المواطن واحترام حقوقه، يبقى الأمل معقوداً على وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في أن تتعامل مع هذه القضية بروح من الحكمة والتقدير وأن تجعل من الحوار والإنصاف أساساً لكل معالجة تأديبية بما يضمن احترام القانون وحماية كرامة الأستاذ وصون صورة المدرسة المغربية كفضاء للتربية والتفكير الحر.