"مدارس الريادة بين الطموح والتعثر: انطلاقة مرتبكة تكشف خلل الإعداد"
🖋️ بقلم: عبد الكريم الزناني
في الوقت الذي كان يُنتظر فيه أن تنطلق تجربة "مدرسة الريادة" في أجواء إيجابية تعكس طموح الإصلاح التربوي، فوجئ العديد من الآباء والأمهات، ومعهم الرأي التربوي المحلي، بأزمة غير متوقعة تمثلت في غياب الكتب المدرسية عن رفوف مكتبات منطقة الرحمة، رغم اقتراب موعد انطلاق الدروس بشكل رسمي.
الدهشة كانت عامة، ليس لأن التلاميذ لم يتمكنوا من اقتناء كتبهم فحسب، بل لأن الأسباب التي بررت بها المكتبات هذا الغياب بدت أكثر غرابة من الظاهرة نفسها.
فبعض أصحاب المكتبات تحدثوا عن شح في التوزيع من طرف المطابع ودور النشر، بينما علل آخرون رفضهم اقتناء الكتب الخاصة بمسار "الرائدة" بكونها ضعيفة الهامش الربحي ولا تغطي كلفة اقتنائها وتخزينها، وهو ما جعل عدداً كبيراً من الأسر عاجزة عن توفير مستلزمات الدراسة لأبنائها في الوقت المحدد.
وسط هذا التخبط، يُطرح سؤال جوهري حول مدى جاهزية الوزارة الوصية لإنجاح هذا المشروع الطموح، الذي قُدم للرأي العام باعتباره نموذجاً نوعياً لتجويد التعلمات وتكافؤ الفرص. فكيف يمكن الحديث عن جودة التعليم في ظل غياب الكتاب المدرسي، أحد أهم أدوات التعلم الأساسية؟
ثم من يتحمل مسؤولية هذا الارتباك؟ هل هي المطابع التي لم تواكب الطلب، أم الوزارة التي لم تُحسن تقدير الأعداد المطلوبة، أم أصحاب المكتبات الذين وضعوا الربح المادي فوق المصلحة التربوية؟
ولا يتوقف الأمر عند غياب الكتب، بل يتعداه إلى ما وصفه عدد من أولياء الأمور بـ"تحويل مجاني التعليم إلى عبء جديد على الأسر"، بعد أن لاحظوا اختفاء مبادرة "المليون محفظة"، التي كانت تشكل سنداً حقيقياً لتلاميذ الفئات المعوزة. فقد تحولت، في ظل مشروع الريادة، إلى محفظة "مؤداة"، وهو أمر يثقل كاهل الأسر ذات الدخل المحدود التي وجدت نفسها مجبرة على تحمل مصاريف إضافية في ظرف اقتصادي صعب.
إن ما يجري اليوم يجعلنا نتساءل، بمرارة، عن مدى جدية التحضير لمشروع مدرسة الريادة، الذي يبدو أنه وُضع موضع التنفيذ قبل اكتمال معطياته الأساسية. فغياب التنسيق مع المطابع والموزعين، وضعف التواصل مع المكتبات، كلها مؤشرات على ارتباك إداري واضح، دفع ثمنه الأول تلاميذ في مقتبل العمر وجدوا أنفسهم يشرعون في موسم دراسي دون كتب، ودون أدوات، ودون محفظة.
إن مشروع الريادة، الذي رُوّج له كلبنة أساسية في إصلاح المدرسة المغربية، يبدو اليوم وكأنه يترنح قبل أن ينطلق فعلاً. وبدل أن يكون نموذجاً في التجديد التربوي والفعالية الإدارية، أضحى عنواناً على فشل في التنسيق والتخطيط.
ويبقى السؤال مفتوحاً: هل كان الهدف هو إرساء مدرسة الريادة فعلاً، أم مجرد سباق شكلي مع الزمن لتقديم مشروع غير مكتمل للواجهة؟
ما يؤلم حقاً أن أبناء الشعب، الذين قيل إن المشروع جاء من أجلهم، هم أول من يدفع ثمن هذا الارتباك، في وقت يستمر فيه الخطاب الرسمي في التغني بالإصلاح، بينما الواقع يقول شيئاً آخر تماماً.