الوحدة الترابية وحقوق الإنسان… المسيرة الخضراء المجيدة نموذجًا
بقلم : عزيز الوز
يُخلِّد المغرب كل سنة في السادس من نونبر ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، تلك الملحمة التاريخية التي دعا إليها جلالة الملك الراحل الحسن الثاني طيّب الله ثراه، لتصبح رمزًا خالدًا للنضال السلمي واسترجاع الحقوق بالوسائل الحضارية. كانت المسيرة الخضراء فعلًا جماعيًا جسّد إيمان المغاربة العميق بوحدة التراب الوطني، وعبّرت عن تلاحم العرش بالشعب في أسمى صوره، مؤكدين أن الحق لا يُسترجع إلا بالإرادة والإيمان بعدالة القضية.
لقد كانت تلك المسيرة المباركة نموذجًا فريدًا في التاريخ الحديث، حيث آمن المغاربة بأن السلم والحكمة أقوى من الرصاص، وأن الدفاع عن الوطن لا يكون بالعنف بل بالعقل والإصرار، لتتحول إلى درس عالمي في الكرامة والسيادة والتمسك بالحقوق المشروعة.
وفي امتدادٍ طبيعي لتلك الروح، أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله في الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء أن قضية الصحراء المغربية ليست فقط قضية وحدة ترابية، بل هي قبل كل شيء قضية كرامة وعدالة وحقوق إنسان. وهو تأكيد ملكي سامٍ على أن المغرب لا ينظر إلى الصحراء كمجرد جغرافيا أو حدود، بل كمجتمع حيّ ومواطنين يجب أن ينعموا بكامل حقوقهم في التنمية، والكرامة، والمشاركة الديمقراطية.
لقد خطا المغرب خلال العقود الأخيرة خطوات جبارة لترسيخ هذا البعد الحقوقي في أقاليمه الجنوبية، حيث أضحت مدن العيون والداخلة والسمارة نموذجًا للتمكين النسائي والاقتصادي والسياسي، ومجالات مفتوحة للشباب والنساء على حد سواء. فالنساء الصحراويات اليوم يشاركن في تدبير الشأن المحلي، ويتولين مناصب المسؤولية، ويقُدن مشاريع تنموية تُجسّد رؤية المغرب في تمكين الإنسان كركيزة للتنمية المستدامة.
وفي المقابل، تُبرز مأساة النساء والأطفال المحتجزين في مخيمات تندوف الوجه القاتم لانتهاك حقوق الإنسان في أبشع صوره. هناك، حيث تغيب الحرية ويُقمع الصوت، يعيش آلاف الصحراويين تحت سلطة عسكرية بيروقراطية تُصادر أحلامهم وتستغلهم لأغراض سياسية، محرومين من أبسط مقومات الكرامة والحرية والتعليم والرعاية. هؤلاء النسوة والأطفال لا يمثلون فقط معاناة إنسانية، بل جرحًا مفتوحًا في الضمير الحقوقي العالمي، يستدعي وقفة جادة من كل المنظمات الأممية والضمائر الحرة.
إن الاحتفال السنوي بالمسيرة الخضراء ليس مجرد استحضار لحدث وطني، بل هو تجديد للعهد على المضيّ في مسار النضال السلمي من أجل الحرية والوحدة والكرامة، وتذكير للأجيال بأن "ما ضاع حق وراءه طالب". كما أنه مناسبة لإبراز عمق المشروع الديمقراطي المغربي القائم على العدالة الاجتماعية وصون كرامة المواطن أينما كان، وخاصة في أقاليمنا الجنوبية التي أصبحت نموذجًا في التنمية وحقوق الإنسان قد توج هذا المسار المتميز بقيادة ملك البلاد حفظه الله بنفتح مبين في يوم الجمعة 31 اكتوبر 2025 بحيث تم التصويت لصالح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية من طرف الأمم المتحدة وهذا انتصار لمشروعية المطلب المغربي وانقادا للمحتجزين في مخيمات تندوف تحت وطاة الظلم والاستغلال... وكل هذا الإنجاز بفضل الله تعالى ثم بفظل الديبلوماسية الملكية.
هنا جاء مباشرة بعد هذا القرار الاممي بخصوص الصحراء المغربية الخطاب الملكي السامي الذي افتتح بقوله تعالى "انا فتحنا لك فتحا مبينا" وقال قد حان موعد المغرب الموحد من طنجة إلى الكويرة الذي يتطاول احد على حقوقه وعلى حدوده التاريخية،وكانت فيه دعوة صريحة لسكان المخيمات بالالتحاق باخوانهم في المغرب وان جميع المغاربة سواسية في الحقوق والحريات وان الوطن غفور رحيم وان هذا البلد يسع الجميع. كما دعا جلالته الرءيس الجزاءري للحوار وهذا يبين بوضوح اخلاق الملوك العالية بعيدا عن التكبر و الاستعلاء رغم الانتصار. انه منطق حكيم لا غالب ولا مغلوب فيه يحفظ فيه ماء وجه الجميع. اليد الممدودة من صاحب الجلالة كانت داءما حاضرة. انه درس عميق من جلالته للجميع. انه خطاب سيظل حاضرا بقوة في ذاكرة الاجيال تستلهم منه التواضع والحكمة والحب...
ختامًا، تظل المسيرة الخضراء مسيرة متجددة في روحها، تمتد من تحرير الأرض إلى تحرير الإنسان من كل أشكال القهر والتهميش، لتبقى شاهدة على أن المغرب ماضٍ في طريقه بثبات، مؤمنًا بأن الدفاع عن الوحدة الترابية هو في الوقت ذاته دفاع عن حقوق الإنسان، عن الكرامة، وعن مستقبل الأجيال القادمة.
قال تعالى "ان ينصركم الله فلا غالب لكم" صدق الله العظيم.