المراسل الصحفي بدون حماية: حين تُكمم الحقيقة ويغيب المدافعون
في عالم تتسارع فيه الأخبار وتتراكم فيه الصراعات، يظل المراسل الصحفي حلقة الوصل بين الحقيقة والجمهور، وعيناً حرة تنقل الواقع كما هو، دون تزييف أو تجميل. لكن هذه المهمة النبيلة كثيراً ما تتحول إلى عبء ثقيل في ظل غياب الحماية، لا سيما عندما تكون الهيئات الحقوقية غائبة، أو عاجزة، أو مغيّبة قسرياً.
فما الذي يعنيه أن يكون المراسل الصحفي دون حماية؟ وما هو الدور الحيوي الذي تلعبه – أو يجب أن تلعبه – الهيئات الحقوقية في حمايته وضمان سلامته؟
المراسل الصحفي: في قلب الخطر بلا درع
من مناطق النزاع، إلى الشوارع المشتعلة بالاحتجاجات، إلى ساحات القمع السياسي، يعمل المراسل الصحفي في ظروف قاسية، وغالباً ما يكون أول شاهد على انتهاكات حقوق الإنسان. لكنه في الوقت ذاته، أول من يُستهدف.
غياب الغطاء الحقوقي يجعل الصحفي مكشوفاً بالكامل أمام السلطات القمعية أو الجماعات المسلحة. يصبح التصوير تهمة، والنقل جريمة، والحياد خيانة. ومع عدم وجود من يدافع عنه أو يوثق الانتهاكات التي يتعرض لها، يتحول المراسل من شاهد على الجريمة... إلى ضحية لها.
الهيئات الحقوقية: الضمانة القانونية والأخلاقية لحماية الصحفيين
هنا تبرز أهمية وجود هيئات حقوق الإنسان، محلية ودولية، كعامل رئيسي في حماية المراسلين الصحفيين. هذه الهيئات، حين تكون فاعلة ومستقلة، تُمثّل خط الدفاع الأول عن حرية الصحافة، وتقوم بدور رقابي حاسم تجاه أي انتهاك لحقوق الصحفي.
وتشمل أدوارها الحيوية:
توثيق الانتهاكات بحق الصحفيين ونشر تقارير دورية تُدين الجهات المسؤولة.
توفير الدعم القانوني للصحفيين المعتقلين أو الملاحقين.
التدخل الدبلوماسي والضغط الدولي للإفراج عن الصحفيين المحتجزين تعسفياً.
إطلاق حملات المناصرة لحماية حرية الصحافة والحد من الإفلات من العقاب.
تمويل برامج السلامة المهنية والتدريب للصحفيين الميدانيين في المناطق الخطرة.
وفي حالات كثيرة، شكّلت هذه الهيئات صمام أمان للعديد من الصحفيين الذين واجهوا التهديد أو السجن، ونجحت في إنقاذهم عبر التحرك السريع والضغط السياسي والإعلامي.
غياب الحماية: خسارة مزدوجة
عندما تُحرم الصحافة من الحماية، لا يخسر المراسل وحده، بل يخسر المجتمع كاملاً. فالإعلام الحر هو أحد أبرز أركان الدولة المدنية، وأداة الرقابة الأولى على الفساد والانتهاكات. إن استهداف الصحفيين هو رسالة ترهيب لكل من يحاول قول الحقيقة، وهو مؤشر خطير على انهيار منظومة العدالة.
وفي السياق ذاته، فإن غياب الهيئات الحقوقية – أو صمتها – يُعد تواطؤاً غير مباشر، ويسمح باستمرار ثقافة الإفلات من العقاب.
مطلوب تحرك جاد... لا شعارات
تكريم الصحفيين لا يجب أن يقتصر على الجوائز أو النعي بعد موتهم، بل في توفير حماية حقيقية لهم أثناء أداء عملهم. الهيئات الحقوقية، إذا ما أرادت أن تحافظ على صدقيتها، مطالبة بتوسيع نطاق تدخلها، وتحويل مبادئها إلى أدوات حماية عملية وملموسة.
كما أن المجتمع الدولي، والمؤسسات الإعلامية الكبرى، والنقابات الصحفية، مطالَبة جميعاً بتشكيل جبهة موحدة ترفض الصمت، وتدافع عن حرية الكلمة باعتبارها حقاً إنسانياً أصيلاً، لا امتيازاً تمنحه الحكومات.
خاتمة: حماية الصحفي... حماية للحقيقة
في النهاية، المراسل الصحفي ليس مجرد ناقل خبر، بل شاهد على التاريخ وصوت لمن لا صوت له. وإن تُرك بلا حماية، فإن الحقيقة نفسها تصبح مهددة. الهيئات الحقوقية، حين تؤدي دورها كما يجب، لا تحمي شخصاً، بل تدافع عن مبدأ: أن لا أحد فوق المساءلة، وأن الكلمة الحرة لا يجب أن تُدفن مع صاحبها.