الجرأة المفقودة: لماذا نحاسب المبلّغين ولا نحاسب المفسدين؟
بقلم: أمين الكردودي
في وطنٍ جعل من الشفافية والمساءلة ركائز أساسية لبناء دولة القانون ما زال السؤال المؤلم يفرض نفسه بإلحاح: لماذا نحاسب المبلّغين عن الفساد ونغضّ الطرف عن المفسدين أنفسهم؟
سؤال بسيط في شكله لكنه عميق في دلالاته يكشف عن أزمة أخلاقية وإدارية عنوانها الأبرز: غياب الجرأة في مواجهة الفساد.
لقد دعا جلالة الملك محمد السادس نصره الله في أكثر من مناسبة إلى ضرورة ترسيخ قيم النزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة باعتبارها المدخل الحقيقي لأي إصلاح حقيقي ومستدام. غير أن الواقع يكشف – بكل أسف – عن مشهد مقلوب حيث يصبح من يبلغ عن الفساد هو المتهم بينما يظل الفاسد في موقع النفوذ والحماية.
إن المبلّغ عن الفساد لا يبحث عن مجد شخصي ولا عن منصب بل عن وطنٍ نقيّ من الشبهات ومؤسسات تُدار بضمير لا بمصالح ضيقة. ومع ذلك يجد نفسه في مواجهة آلة إدارية وإعلامية تحاول تشويهه أو عزله أو تجريده من حقه في التعبير وكأنّ رسالة غير معلنة تُوجّه للمجتمع مفادها: “اصمت… فالجرأة تُكلّف غالياً”.
في المقابل يواصل بعض المسؤولين المتورطين في العبث بالمال العام أو استغلال النفوذ مسيرتهم دون مساءلة تُذكر في غياب آليات فعالة لحماية المبلّغين وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهنا تكمن المفارقة الكبرى: نُشجّع الصمت ونُعاقب الصراحة، وكأنّنا نخاف الحقيقة أكثر من الفساد نفسه.
إنّ المعركة ضد الفساد ليست معركة قوانين فقط بل معركة ضمير وجرأة. فمتى استعاد المجتمع ثقته في أن كلمة الحق لا تُكلف صاحبها التنكيل بل تجلب له الاحترام عندها فقط سنقول إننا بدأنا فعلاً في محاربة الفساد لا في محاربة من يحاربه.
الجرأة المفقودة اليوم ليست في مواجهة الفاسدين فحسب بل في إعادة الاعتبار للمبلّغين أولئك الذين اختاروا أن يقولوا “لا” في زمن الصمت وأن يدافعوا عن قيم الدولة الحديثة التي يحلم بها كل مغربي شريف.
فهل نملك الشجاعة لإعادة الأمور إلى نصابها أم سنستمر في معاقبة الشرفاء لأنهم تجرأوا على قول الحقيقة؟