الفساد بين سرقة المال وسرقة الأحلام: قراءة في واقع جهة سوس ماسة على ضوء مقولة نيلسون مانديلا
بقلم : أمين الكردودي
قال نيلسون مانديلا ذات يوم: "الفساد ليس فقط سرقة المال العام، بل هو سرقة أحلام الناس ومستقبلهم."
مقولة تختزل في كلمات قليلة مأساة الشعوب التي تُعاني من استنزاف طاقاتها لا بالنهب المادي فحسب بل بالعبث بآمالها الجماعية في التنمية والعدالة والكرامة. وعندما نُسقط هذه الحكمة العميقة على واقع جهة سوس ماسة ندرك أن الفساد هنا لم يكن مجرد تجاوزات مالية عابرة بل تحول في بعض مظاهره إلى عائق بنيوي أمام انطلاقة حقيقية نحو التنمية المستدامة التي ينتظرها المواطن السوسي منذ عقود.
جهة سوس ماسة المعروفة بثرائها الطبيعي وبعقول أبنائها المبدعين تعيش مفارقة صارخة: مشاريع تنموية طموحة تُعلن في الخطب والبرامج يقابلها واقع محلي يئن تحت وطأة البيروقراطية وسوء التدبير وتبديد الفرص. فحين تُمنح الصفقات في الخفاء وتُدار الملفات بروح الزبونية والمحسوبية لا تُسرق الأموال فقط بل تُسرق أحلام الشباب في الشغل وأمل الفلاح في دعم حقيقي وطموح المستثمر في بيئة شفافة وواضحة.
إن الفساد في جهة سوس ماسة اليوم لا يُقاس بحجم الأموال المهدورة فقط بل بمدى تعطل المشاريع وبتراجع ثقة المواطنين في المؤسسات وبالهجرة المتزايدة للأدمغة التي لم تجد مكانًا في منظومة تُكافئ الولاء بدل الكفاءة.
فحين يغيب ربط المسؤولية بالمحاسبة تُغتال روح المواطنة وتُصاب التنمية في مقتل.
ولعل تطبيق مقولة مانديلا على واقعنا المحلي يُلزمنا بطرح سؤال جوهري: من يسرق من؟
هل يسرق الفاسد المال العام فقط؟ أم يسرق في الوقت ذاته مستقبل طفل كان ينتظر مدرسة لائقة؟ وطالب كان يأمل في جامعة مجهزة؟ وشاب كان يحلم بفرصة شغل تحفظ كرامته؟
إن معركة سوس ماسة اليوم ليست فقط ضد الفساد بمعناه الإداري أو المالي بل ضد ثقافة التبرير والصمت والخوف من المساءلة فالإصلاح الحقيقي يبدأ حين يدرك الجميع – مسؤولين ومواطنين – أن كل درهم يُهدر وكل مشروع يُعطل هو جريمة في حق الجهة ومستقبلها.
سوس ماسة لا تحتاج إلى شعارات جديدة بل إلى إرادة صادقة تُعيد الثقة وتُطلق طاقات الشباب وتُحول الثروات إلى تنمية حقيقية تُحسّ في الميدان لا في التقارير فحين تنتصر الكفاءة على الزبونية والشفافية على الغموض، يمكن عندها أن نقول إننا بدأنا فعلاً استعادة أحلامنا المسروقة.