أكادير… حين تتحوّل الأرض إلى غنيمة: لوبيات العقار تُحكم قبضتها والضحايا يستغيثون

١٦ نوفمبر ٢٠٢٥

بقلم: أمين الكردودي

في مدينة يفترض أن تكون عنوانًا للتنمية والكرامة تتحوّل أكادير شيئًا فشيئًا إلى ساحة مفتوحة لسباق محموم على العقار حيث تتصادم حقوق المواطنين مع مصالح متشابكة للوبيات نافذة لا تتردد في توظيف القانون حينًا والاحتيال حينًا آخر من أجل السيطرة على الأراضي والمشاريع العمرانية المشهد لم يعد مجرد مخالفات فردية بل شبكة متكاملة تتداخل فيها أطراف من منعشين عقاريين وسماسرة اعتادوا استغلال هشاشة المواطنين وجهات داخل المؤسسات والجماعات المحلية التي يبدو أنها تفضل منطق الربح السريع على خدمة الصالح العام.

في تدارت أنزا تحوّل برنامج السكن الاجتماعي إلى وصمة عمرانية بعدما كشفت تحقيقات ميدانية عن الاستيلاء على مئات الشقق بواسطة وسطاء مرتبطين بمنعشين نافذين أسر ضعيفة كانت تنتظر شققها منذ سنوات وجدت نفسها فجأة أمام شبكة من الضغط والتلاعب فيما تحركت الشكايات القضائية ببطء يطرح أسئلة حول النية الحقيقية في كشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين.

الأخطر هو ما تسرّب من معطيات حول تورط مسؤولين إداريين كبار ورؤساء مصالح في صفقات تفويت أراضٍ مخصصة للمنفعة العامة نحو جهات خاصة، عبر مسارات تفتقر للشفافية تفويتات تمرّ في جلسات صامتة وبسرعة لافتة وكأن صوت الساكنة غير موجود خصوصًا في الدراركة وأنزا حيث الضغط العقاري بلغ مراحل غير مسبوقة وفي الوقت الذي تُفترض فيه الجماعات المحلية حامية للمصلحة العامة يظهر أن بعض القرارات الجماعية وضعت مستقبل المدينة العمراني بين أيدي مصالح ضيقة تتحكم في الخرائط والتراخيص ومناطق التوسع.

أما “مافيا العقار” في أكادير فقد سبق أن طفت على السطح عبر اعتقالات شملت قاضيًا جماعيًا سابقًا وأفرادًا متورطين في التزوير وانتزاع الحيازة والترامي على ممتلكات الغير. ورغم إحالة ملفات منهم على التحقيق إلا أن حجم الشبكات التي تشتغل في الظل أكبر بكثير مما وصل إلى المحاكم ضحايا الترامي خرجوا للاحتجاج أمام المحاكم في لحظة تعكس انهيار الثقة في حماية الملكية العقارية خاصة عندما تصبح الوثائق قابلة للتزوير والرخص مُسَيّرة بالمصالح.

هذا الواقع يتقاطع مع تحذيرات خبراء وقضاة وعدول من تدهور الأمن العقاري في المغرب حيث تتنامى قدرة اللوبيات على اختراق مسارات التعمير والتوثيق والاستفادة من ثغرات قوانين غير محكَمة ويزداد المشهد قتامة حين يتحول التراث العمراني لأكادير إلى هدف للاستغلال مع محاولات تدمير مبانٍ تاريخية أو قاعات قديمة لتحويلها إلى مشاريع إسمنتية لا تراعي هوية المدينة ولا خصوصياتها.

إن ما يجري اليوم ليس مجرد صراع عقاري بل حرب على روح أكادير وهويتها وحقوق سكانها الصمت الرسمي أو البطء غير المبرر في المحاسبة يفتح الباب واسعًا أمام استمرار هذه الشبكات في التمدد فحين تعجز المؤسسات عن حماية المواطنين من الترامي والتزوير والضغط العقاري تصبح الأرض سلعة بلا قيمة إنسانية ويُداس حق المواطن في السكن والكرامة باسم صفقات مظلمة.

إن الوضع في أكادير يقترب من نقطة اللاعودة حيث يتطلب كشف الصفقات العقارية السابقة وفتح تحقيقات مستقلة وجريئة ومراجعة كل تفويت مرّ في ظروف غامضة ووضع حد لسياسات ترهن مستقبل المدينة للوبيات لا تشبع حماية السكن الاجتماعي ووقف النزيف الذي يطال الأراضي العمومية وترميم الثقة بين المواطن ومؤسساته كلها خطوات أصبحت واجبة وملحّة قبل أن تتحول المدينة إلى فضاء مفكك تحكمه المصالح بدل القانون.

الأرض ليست سلعة وليست غنيمة في يد من يملك النفوذ. الأرض كرامة وحق، وهوية وما لم تستعد أكادير قوتها في مواجهة الفساد العقاري ستجد نفسها مدينة بلا ذاكرة محاصرة بالإسمنت ومكبّلة بلوبيات لا تتوقف عن التوسع.