حقوق الانسان و التحولات الكبرى : نحو منهجية واقعية للمقاربة
منذ تبنى المغرب المقاربات الحقوقية بناء على الدعامات الدولية و الاقليمية و المحلية و هو يعيش مخاضات متعددة في التعامل مع هاته القيم الكونية و التي نشأت بعد الحربين العالميتين ، المغرب انطلاقا من موقعه الجيوسياسي و الاستراتيجي و الحضاري و بكونه دولة نامية منذ مصادقته على الاعلان العالمي لحقوق الانسان سنة 1957 كما أنه دولة اسلامية عربية افريقية و اعتبارا أ،نه من أقدم المملكات في العالم فإن قراءة نقدية أو تحليلية لمفهوم حقوق الانسان يجب أن تأخذ كل هاته الخصوصيات .
كان المغاربة يعيشون بالعرف و العادات و التقاليد و أحكام النص الديني الى حين دخول الاستعمار الفرنسي و انضاف الى الترسانة القانونية القانون المدني ، لقد واصلت المملكة تواجدها في المنظومة الحقوقية عبر توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الاسرة و الشغل و حماية الاشخاص ذوي الاعاقة و مناهضة كل اشكال التمييز العرقي و الجنسي و الديني و الفكري الخ ...
قبل تبلور فكرة حقوق الانسان بعد الاستقلال كانت بنية الاسرة المغربية تتحكم فيها عدة مسارات و جوانب منها ما هو مفهومي قيمي ومنها ما هو تاريخي متجذر ومنها ما هو مستحدث ، لقد كانت الاسرة المغربية تعيش في سوسيولوجيا التماسك و التوازن تحت سيطرة العقل الذكوري وكانت الاسرة الكبرى هي الرباط الشائع و من حيث نمط التفكير و التربية كانت قيمة (حشومة) هي العمود الفقري للعلاقات بين الاجيال و في المدرسة كانت فكرة ( انت ذبح و أنا نسلخ) هي المنهاج الاساسي للسيطرة على جيل ما بعد الاستقلال ، كما أن الصورة النمطية المشكلة حول رجال الامن و القوات المساعدة و الدرك الملكي كانت محاطة بالرهبة و الخوف و لربما أن المرحلة التاريخية كانت تتطلب ذلك سيما بعدما عاش المغرب محاولة انقلابين عسكريين و اضرابات عامة دامية كإضراب 81
الآن تطرح عدة تساؤلات بعضها مشروع و الآخر مريب ، المغرب يعيش تحولات عدة على كافة الاصعدة ومفهوم حقوق الاسنان بدوره يكاد يكون الورش الاصعب داخل رحم المملكة خاصة التحولات الديمغرافية الرهيبة بعد الانفجار الديمغرافي في المدن الكبرى ، و فتح أوراش تنموية واسعة استعدادا لاستقبال كأس العالم 2026 كما يروج لذلك، لكن ألا يمكن أن نقول أ، المغرب يسير بسرعتين كما جاء في الخطاب الملكي الأخير في عيد العرش ، سرعة تدفعك الى الأمام حيث مؤشرا حقوقية واعدة وسرعة تجرك الى الخلف بسبب وجود جيوب المقاومة في عدة مجالات مؤشرها اعتقالات عدة في صفوف ناشطين حقوقيين و صحافيين بل رؤساء أحزاب كالنقيب محمد زيان ، و بين آليات التطور الحقوقي و آليات الممانعة فإن المغرب يحاول جاهدا وضع مشروع تنموي حقوقي مع شيء من التحفظ
تعتبر تجربة الهئية الديمقراطية المغربية لحقوق الانسان ورشا واعدا لمغرب قادم نظرا للتصور الشمولي الذي بنته تحت اشراف الحقوقي الاستاذ شعيب العسري و الاستراتيجية المتبعة من طرف الهيئة المؤسسة على ضم رجال و نساء في كافة ربوع المملكة و بغض النظر عن القناعات الفكرية أو الإيديولوجية حيث جعلت من مفهوم حقوق الانسان وفق الخصوصية المغربية عقيدة مع الدفاع حتما عن التوابث المغربية الثلاث : الوحدة الترابية ، الملكية و الدين الاسلامي
شخصيا لا أعتبر كوني غريبا عن قيم حقوق الانسان الى جانب العديد من الاسماء المنضوية الى الهيئة و التي تحملت مسؤولية الدفاع عن ورش كبير و في غاية الحساسية ، لست غريبا لأننا جيل مارس حقوق الانسان في حياته اليومية ناهيك عن النصوص الابداعية التي أنجزتها و التي تدعو في مضمونها الى القيم الكونية كالعدالة و المساواة و الحرية
تخوض الهيئة معركة التربية على حقوق الانسان وسط الفئات الاجتماعية الهشة بل حتى داخل النخبة المثقفة و العلمية بعدما فقد هذا المفهوم محتواه الحقيقي . لقد طغت على المجتمع المغربي قناعات خارج السياق الاجتماعي كالتفكيؤ الفرداني و الذاتي و ذلك وفق التحولات الكبرى التي يعيشها و بسبب الهزات الأخلاقية بعد اكتساح التكنولوجيا . و انغلاق الفرد على اشباع نزواته و رغباته الشهوانية دون النظر الى وظيفته الحياتية المبنية على التطور و النمو و الحفاظ في نفس الوقت على الهوية المغربية الأصيلة .
الهيئة و استنادا على مسؤوليتها المراقباتية و الاقتراحية و المتابعة القانونية لكل من دنس روح الحق في العيش الكريم و التفكير و حرية ابداء الرأي مع توقير الثوابت المغربية فإنها تعد لمؤتمر و لاول مرة يجعل من الثقافة و حقوق الانسان شعارا للمرحلة . كما سيحاول المؤتمر البحث في العلاقات المتينة و التاريخية بين الادب بكل أشكاله (روايه. شعر سينما... ) و حقوق الانسان
و هي دعوة لكل الادباء و الفنانين للمشاركة و سنقوم بالاعلان قريبا عن هدا المؤتمر في نسخته الاولى