بيان استنكاري رسمي بشأن انقطاع الماء الشروب عن دواوير جماعة تكاط – إقليم الصويرة وخرق مبدأ تضارب المصالح في تدبير جمعية الماء

٢٢ أكتوبر ٢٠٢٥

✍️بقلم محسن الجعواني

في إطار متابعتها الدائمة لانتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تُصدر الهيئة الديمقراطية المغربية لحقوق الإنسان هذا البيان الاستنكاري الرسمي، تنديدًا بانقطاع الماء الصالح للشرب عن سبع دواوير تابعة لجماعة تكاط بإقليم الصويرة، والذي استمر لأكثر من ستة أشهر متتالية دون أي تدخل فعّال من الجهات المختصة. هذا الوضع لا يُعدّ مجرد خلل تقني أو تأخر إداري عابر، بل يشكل انتهاكًا صارخًا للحق في الماء، المُعترف به دستوريًّا ودوليًّا كحق أساسي من حقوق الإنسان، وشرطٍ جوهري للكرامة الإنسانية والحياة الكريمة.

لقد كشفت المعاينات الميدانية التي أُجريت بتكليف من الهيئة، وتم توثيقها في محضر رسمي من إنجاز المفوض القضائي محمد أوتسكت لدى المحكمة الابتدائية بالصويرة بتاريخ 27 سبتمبر 2025 (ملف المعاينات رقم 192/2025)، أن 130 عدادًا موزعة على سبع دواوير – وهي: دوار الكريم، دوار العزيب، دوار الجبيلات، دوار الخنك، دوار العوامرة، دوار أيت الشظية، ودوار البجاغنة – محرومة تمامًا من خدمة الماء الشروب منذ شهر رمضان الماضي. هذا الحرمان الممنهج أثّر بشكل مباشر على حياة المئات من المواطنين، لا سيما النساء والأطفال وكبار السن، الذين يُجبرون يوميًّا على قطع مسافات طويلة لجلب المياه من مصادر غير مأمونة، ما يعرض صحتهم للخطر ويُضعف فرصهم في التعليم والعمل.

والأكثر إثارة للقلق هو أن هذا الانقطاع لم ينتج عن ندرة في الموارد أو كارثة طبيعية، بل عن سوء تدبير منهجي، وغياب تام للشفافية، وخلل جوهري في آليات الرقابة على جمعيات تدبير الماء، التي تُفترض أن تكون وسيلة لتقريب الخدمة من الساكنة، لا أداة للاستغلال والفساد.

وقد تواردت إلى الهيئة معلومات خطيرة من الساكنة تفيد بأن أمين مال الجمعية السابقة كان يقوم بتحويل مياه صالحة للشرب إلى ضيعات فلاحية خاصة، بعضها يعود إليه شخصيًّا أو لأشخاص مقربين منه، في وقت تعاني فيه الساكنة من جفاف مزمن ونقص حاد في المياه. هذا السلوك لا يُعدّ مجرد سوء تدبير، بل يرقى إلى مستوى الاستغلال غير المشروع للمال العام والموارد الحيوية، ويُظهر استهتارًا صارخًا بمعاناة المواطنين وبحقهم في الحياة الكريمة. إن تحويل مياه الشرب – وهي مورد نادر ومهدد – إلى أنشطة اقتصادية خاصة، في ظل حرمان الأسر من أبسط شروط العيش، يُعدّ خيانة للأمانة وانتهاكًا صارخًا لمبادئ العدالة الاجتماعية والإنصاف.

الماء، وفق ما ينص عليه الفصل 31 من الدستور المغربي، هو حق تكفله الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، وتعمل على تعبئة كل الوسائل لتيسير استفادته. كما أن الفصل 154 من الدستور يؤكد أن المرافق العمومية تقوم على مبادئ الاستمرارية والجودة والشفافية. وعلى الصعيد الدولي، فإن المغرب، بصفته طرفًا في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ملزم باحترام الحق في مستوى معيشي لائق، بما في ذلك الحق في الماء. وقد أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها لسنة 2010 أن الحق في الماء والمرافق الصحية هو حق إنساني أساسي.

وبناءً عليه، فإن أي تدبير لمرفق الماء يجب أن يُبنى على مبدأ الاستمرارية والمساواة والشفافية، لا على منطق المشاريع المؤقتة التي تُدار بمنطق الولاءات أو المصالح الشخصية. ومن هنا، فإننا ندعو السيد رئيس جماعة تكاط إلى تصحيح المصطلحات الرسمية في مراسيلاته، والاعتراف بأن ما يُقدَّم للساكنة هو "خدمة عمومية" لا "مشروعاً"، لأن هذا التمييز ليس شكليًّا، بل له انعكاسات قانونية وحقوقية جوهرية.

أحد أخطر الجوانب التي رصدتها الهيئة في هذا الملف هو خرق صريح لمبدأ تضارب المصالح، حيث تبين أن نائب رئيس الجماعة الترابية تكاط كان هو المُسير الفعلي لجمعية الماء خلال السنوات الثلاث الماضية، رغم أن المادة 65 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية تنص صراحة على أنه "يمنع على أعضاء المجلس الجماعي أن يبرموا، بصفة شخصية أو بواسطة الغير، عقوداً مع الجماعة أو مؤسساتها أو شركات التنمية التابعة لها".

وحيث إن جمعية الماء تستفيد من دعم مالي ولوجستي مباشر من الجماعة، وترتبط باتفاقيات شراكة رسمية معها، وتُدار في إطار مشاريع تنموية ممولة جزئيًّا من ميزانية الجماعة، فإن تولي نائب الرئيس لتسييرها يُشكل تجاوزًا قانونيًّا خطيرًا، يُفقِد التدبير مشروعيته، ويُعرّض المال العام والحق في الماء للخطر. والأدهى من ذلك أن هذا الوضع استمر بعلم رئيس الجماعة والسلطة المحلية، اللذين سمحا لهذا العضو باستغلال منصبه لجمع بين سلطة القرار داخل المجلس وسلطة التصرف في أموال الساكنة، في تناقض صارخ مع مبادئ الحياد والشفافية.

رغم أن رئيس الجماعة أصدر مؤخراً إعلانًا يدعو فيه الجمعيات المحلية إلى الترشح لتسيير "مشروع الماء" بدوار احميمصة، مبررًا ذلك بـ"التدبير العشوائي، غياب الشفافية، تراكم الديون، واختفاء رئيس الجمعية لمدة تجاوزت ثلاث سنوات"، فإن هذا الإعلان يخلو من أي إشارة إلى الوضعية القانونية الحالية للجمعية السابقة. هل تم عزلها؟ هل تم تجميد صلاحياتها؟ أم أنها ما زالت رسمياً مكلفة بالتسيير رغم فشلها؟

هذا الغموض يُضعف مصداقية العملية برمتها، ويترك الباب مفتوحًا أمام تضارب في الصلاحيات، أو حتى عودة الجمعية نفسها تحت غطاء جديد. والأهم من ذلك: أين ذهبت الأموال التي تم استخلاصها من أكثر من 600 أسرة طيلة ثلاث سنوات؟ إذا لم تُسدد مستحقات الكهرباء، فما هو مصير هذه المبالغ؟ وهل تم استخدامها في أغراض شخصية؟

لذلك، فإن الهيئة الديمقراطية المغربية لحقوق الإنسان تؤكد أن أي تعيين لجمعية جديدة يجب أن يسبقه تحقيق مالي وقضائي شامل، يُحدد مصير الأموال المحصلة، ويُحاسب كل من ثبت تورطه في الإهمال أو الاختلاس. فإما أن تُلزم الجمعية السابقة بتسديد ديونها خلال مهلة محددة، مع تقديم تقريرها الأدبي والمالي، وإما أن تُرفع ضدها دعوى قضائية فورًا في حالة ثبوت التبديد أو الاستغلال غير المشروع للأموال العمومية، خاصة في ظل المعلومات الخطيرة حول تحويل مياه الشرب إلى ضيعات فلاحية خاصة.

في ظل هذا الوضع، تطرح الهيئة الأسئلة التالية التي تستحق إجابات رسمية وشفافة من الجهات المعنية:

من يحمي نائب رئيس الجماعة من مساءلته عن تسييره لجمعية الماء رغم وجوده في منصب يمنعه قانوناً من ذلك؟
لماذا لم تتدخل السلطة المحلية (القائد والباشا) طوال ثلاث سنوات ولم يتم إبلاغ السلطات الإقليمية بهذا الخرق من أجل تفعيل مسطرة العزل ضد العضو الجماعي، رغم علمها بانقطاع الماء وتراكم الديون؟
هل تم تمويل مشروع الطاقة الشمسية من ميزانية الجماعة؟ وإذا كان كذلك، فكيف سُمح لعضو في الجماعة بإدارته دون رقابة؟
كم بلغ إجمالي المبالغ المحصلة من الساكنة منذ 2022؟ ولماذا لم تُستخدم لتسديد ديون الكهرباء؟
هل سبق أن عقد مجلس الجماعة جلسة لمناقشة أزمة الماء؟ وإذا لم يفعل، فما قيمة هذا المجلس؟
والأهم: ما الإجراءات التي اتخذتها السلطات المحلية إزاء مزاعم تحويل مياه الشرب إلى ضيعات فلاحية؟ وهل تم فتح تحقيق في هذه الممارسات؟

هذه الأسئلة ليست اتهامات، بل حق مشروع للساكنة في معرفة من أساء، ومن غض الطرف، ومن سمح للفساد أن يترعرع تحت أنظاره.

لا يكفي فتح باب الترشيح. بل يجب أن يُبرم مع الجمعية الجديدة عقد تدبير واضح المعالم، يتضمن التزامات مالية وتقنية صارمة، وآليات رقابة دورية من طرف الجماعة والساكنة، وعقوبات تلقائية في حالة التقصير أو انقطاع الخدمة، وإلزام الجمعية بنشر تقارير أدبية ومالية فصلية. بدون هذا العقد، فإننا نكرر نفس الخطأ: تسليم مرفق حيوي لجهة دون رقابة، ما يمهّد الطريق لمزيد من العشوائية والاستهتار والاختلاس.

بناءً على ما سبق، تطالب الهيئة الديمقراطية المغربية لحقوق الإنسان بما يلي:

أولاً، تصحيح المصطلحات الرسمية في جميع المراسلات المتعلقة بالماء، والاعتراف بأنه مرفق عام لا مشروع مؤقت.
ثانيًا، فتح تحقيق قضائي فوري في مالية الجمعية السابقة، مع مراجعة جميع الفواتير المحصلة من الساكنة، وإرسال لجان إقليمية لتفقد مالية الجمعية، مع التركيز بشكل خاص على مزاعم تحويل مياه الشرب إلى ضيعات فلاحية.
ثالثًا، عزل الجمعية السابقة رسميًّا، وتحديد مصير أموالها قبل تعيين أي بديل.
رابعًا، إبرام عقد تدبير ملزم مع الجمعية الجديدة، يتضمن آليات رقابة واضحة وشفافة.
خامسًا، محاسبة نائب رئيس الجماعة على خرق مبدأ تضارب المصالح، وفقًا للمواد 65 و66 من القانون التنظيمي للجماعات.

الماء حق لا يُفاوض عليه.
والشفافية واجب لا يُستثنى منه.

الهيئة الديمقراطية المغربية لحقوق الإنسان تؤكد أن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ بتغيير الواجهة، بل بمحاسبة من أساء. إن الوضع الراهن في دواوير جماعة تكاط، حيث تُحرم عشرات الأسر من الحق الأساسي في الماء الصالح للشرب، يشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ حقوق الإنسان، الدستور المغربي، والقوانين الدولية التي كفلها المغرب.

استمرار هذا الانقطاع يعرض حياة المواطنين للخطر، ويضاعف معاناتهم اليومية، ويؤثر على الصحة العامة، التعليم، والنشاط الاقتصادي المحلي. كما أن غياب الرقابة والمحاسبة على جمعيات الماء التي تستفيد من دعم الجماعات يفتح المجال أمام تضارب المصالح، الفساد، وسوء التدبير، وهو أمر غير مقبول تحت أي ظرف.

وبناءً على المعطيات الميدانية والقانونية الصادرة عن المفوض القضائي، والتي تثبت انقطاع الماء عن سبع دواوير شملت حوالي 130 عدادًا، تؤكد الهيئة أن الوضع يتطلب تحركًا عاجلًا وفورياً من جميع السلطات المعنية، لضمان تزويد الساكنة بالماء ومعاقبة كل من ثبت تورطه في الإهمال أو سوء التدبير، خاصة من قام بتحويل مياه الشرب إلى مصالح خاصة.

كما تدعو الهيئة جميع الهيئات الوطنية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، بما فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان واللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، للوقوف على هذه المعاناة واتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة لضمان تطبيق القانون ومبدأ المساواة بين المواطنين.

إن الهيئة تؤكد أن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ بتغييرات ظاهرية أو ترقيعات مؤقتة، بل بمحاسبة المسؤولين، استرجاع الحقوق، وضمان استمرارية الخدمات الأساسية. وبغياب أي تدخل عاجل، فإن الهيئة ستلجأ إلى كل الوسائل القانونية الوطنية والدولية لحماية حقوق الساكنة، بما في ذلك الإعلام الدولي، المقررين الأممين، والمنظمات الحقوقية العالمية، لضمان عدم إفلات المسؤولين عن أي إخلال من العقاب.

لذلك، تؤكد الهيئة أن الحق في الماء حق غير قابل للتصرف أو المساومة، وكرامة الإنسان لا يمكن الحفاظ عليها إلا بضمان حقوقه الأساسية. إن أي تقاعس أو تجاهل سيكون بمثابة مسؤولية قانونية وحقوقية مباشرة تقع على عاتق كل من ساهم في هذا الانقطاع أو لم يتحرك لمعالجته، وستظل الهيئة حاضرة لمراقبة الوضع ومتابعته حتى تحقيق العدالة وضمان حقوق المواطنين كاملة.

لأن الكرامة لا تُمنح، بل تُنتزع بالحق والقانون.

الهيئة الديمقراطية المغربية لحقوق الإنسان
إقليم الصويرة – المغرب