عرقلة تأسيس الجمعيات والهيئات الحقوقية بالمغرب… ازدواجية في التعامل وغياب لروح الدستور
بقلم: أمين الكردودي
في الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون الحق في تأسيس الجمعيات من صميم الممارسة الديمقراطية التي يكفلها الدستور المغربي والقوانين المنظمة ما تزال بعض المبادرات المدنية تواجه عراقيل غير مفهومة من طرف بعض المسؤولين المحليين الذين يتصرفون وكأنهم فوق القانون ضاربين عرض الحائط بالمقتضيات الدستورية التي تضمن حرية التنظيم والعمل الجمعوي والحقوقي.
لقد أصبح من الملاحظ أن عدداً من النشطاء والفاعلين الحقوقيين في مختلف المدن المغربية يصطدمون بإجراءات تعسفية حين يتقدمون بملفات تأسيس جمعيات أو هيئات حقوقية جديدة فرغم استيفاء الشروط القانونية وتقديم الوثائق المطلوبة تُواجه طلباتهم أحياناً بالتسويف أو الرفض غير المبرر أو حتى الإهمال الإداري المتعمد وكأن الباب مغلق أمام كل صوت حر يسعى إلى إرساء قيم العدالة والكرامة وحقوق الإنسان.
الأدهى من ذلك أن بعض المسؤولين المحليين أو الإقليميين يسمحون بتأسيس جمعيات أخرى تُمنح التراخيص في ظرف وجيز فقط لأنها تدور في فلكهم أو تُقدّم الولاء قبل الكفاءة ما يجعل المشهد الجمعوي الحقوقي يعيش نوعاً من الانتقائية والتمييز. هذه الازدواجية في التعامل تطرح أكثر من علامة استفهام حول النوايا الحقيقية وراء التضييق على بعض الجمعيات دون غيرها وتكشف عن ذهنية ما زالت تخشى الكلمة الحرة والموقف المستقل.
الحق في التنظيم ليس منّة من أحد بل هو مكسب وطني نابع من دستور 2011 الذي جعل من المجتمع المدني شريكاً أساسياً في صنع القرار العمومي غير أن بعض العقليات الإدارية ما تزال تعيش بمنطق ما قبل الدستور، معتبرة أن منح الوصل القانوني أو الاعتراف الإداري سلطة تمنحها متى شاءت وتمنعها متى أرادت، وكأنها وصيّة على المواطنين.
ورغم أن المغرب قد حقق خطوات مهمة في مجال حقوق الإنسان إلا أن استمرار مثل هذه الممارسات يسيء إلى صورته الحقوقية ويضرب مصداقية خطابه الإصلاحي خصوصاً وأن الهيئات الحقوقية الصادقة تلعب دوراً محورياً في مراقبة السياسات العمومية ونشر الوعي بالحقوق والدفاع عن العدالة الاجتماعية.
إن عرقلة تأسيس الجمعيات الحقوقية لا تعني سوى شيء واحد: الخوف من صوت يصدح بالحقيقة ومن هيئة مستقلة لا تُدار بالهاتف أو بالتوجيهات فالمجتمع المدني القوي لا يزعج إلا من يخاف النقد والمساءلة.
ومن الواجب اليوم على السلطات الوصية، وخاصة وزارة الداخلية أن تفتح تحقيقات جادة في كل حالات المنع أو العرقلة التي يتعرض لها الحقوقيون وأن تُحاسَب كل جهة أو مسؤول يعرقل ممارسة حق دستوري أصيل لأن الديمقراطية لا تُقاس فقط بالشعارات بل بمدى احترام الدولة لمواطنيها في ممارسة حقوقهم دون تمييز أو انتقائية.
إن بناء مغرب الحقوق والحريات لا يتحقق إلا حين يُفتح المجال أمام كل صوت حر دون استثناء أو إقصاء وحين تُفعل روح الدستور لا حبره فقط.