عالم العجائب... حين يُراقَب من يحارب الفساد بدل الفاسدين

٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥

بقلم: أمين الكردودي

في مغرب اليوم تتقاطع المفارقات حتى تكاد تصنع عالماً من العجائب؛ عالمٍ يُكرَّم فيه الصمت ويُحاصَر فيه صوت الحقيقة فمن المفارقة أن يُراقَب من يحارب الفساد ويُطارَد من يفضح المفسدين وكأن كشف الحقيقة أصبح جريمةً أعظم من الفساد نفسه.

لقد انقلبت الأدوار في بعض المواقع فبدل أن تُسلَّط الأضواء على من ينهب المال العام ويعبث بمصالح المواطنين صارت تُوجَّه نحو من يجرؤ على قول كلمة الحق. يَتَتَبّع البعض خطى النزهاء كما لو كانوا خصوماً لا شركاء في معركة الوطن ضد الفساد. إنها صورة تختزل اختلالاً عميقاً في فهم المسؤولية والمواطنة وتكشف أن الخوف من الفضيحة صار أقوى من الخوف من العقوبة.

لكن، وسط هذا الضجيج يعلو صوت الحكمة والوضوح الملكي. فجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده وضع الأسس الصريحة لمحاربة الفساد في أكثر من خطاب سامٍ مؤكداً أن محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع معاً وأنها ليست مجالاً للمزايدات بل واجب وطني وأخلاقي يجب أن يتم في إطار القانون وتحت مظلة المساءلة والمحاسبة.
وفي خطابه بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لعيد العرش شدّد جلالته على ضرورة تجريم كل مظاهر الفساد وضرب بقوة على أيدي المفسدين مذكّراً بأن عدم القيام بالواجب هو بدوره شكل من أشكال الفساد.

إنها رسالة ملكية واضحة تقطع الطريق أمام كل من يحاول الالتفاف على روح الإصلاح: لا أحد فوق القانون ولا حصانة لفاسد تحت أي غطاء. فالإصلاح ليس شعاراً ظرفياً بل مسار دولةٍ تؤمن بالشفافية وتستمد قوتها من العدل والنزاهة.

اليوم أكثر من أي وقت مضى يحتاج الوطن إلى من يرفع راية النزاهة دون خوف لا إلى من يراقبها من بعيد. لأن الأمم لا تنهض بالصمت عن الفساد بل بالشجاعة في مواجهته وبالوفاء لروح الوطن التي لا ترضى بالانحناء أمام المفسدين.